دقيقتان

هل في يومٍ دخلت إلى مكانٍ ما و شعرت بالناس تنظر إليكِ أكثر من المعتاد؟ تجد نفسك تفكر, هل بي شيءٌ ما؟ هل هناك بقعة زيت على ثيابي مثلاً, أو زعتر بين أسناني؟ لماذا يتفحصّني الجميع هكذا ؟

في الكتاب المقدس هناك أنشودة رائعة كتبها الملك سليمان الحكيم عن عروس كانت تشعر أنها محط أنظار الناس. وتقول هذه العروس في النشيد, “أنا سوداء و جميلة يا بنات أورشليم… لا تنظرن إليَّ لكوني سوداء لأنَّ الشمس لوَّحتني, بنو أمّي غضبوا عليَّ و جعلوني ناطورة الكروم, أما كرمي فلم أنطرهُ” نشيد الأنشاد ١: ٥, ٦.  هذه الصبيَّة تعوَّدَت أن ترى الناس يتمعَّنون بلون بشرتها  لأنها كانت سمراء أكثر من غيرها لدرجةِ السواد.  و تُفَسِّر أنَّ لون بشرتها تغيّر لإنَّ إخوتها جعلوها تعمل كناطورة في كُرُوم العائلة. تخيَّل معي: رجال العائلة, إخوتها الشبان الذين يفترض بهم أن يحموها و يعملوا في الكروم بأنفسهم, و يتحمَّلوا تعب النهار و أشعة الشمس الحارقة؛ جعلوا أختهم تقوم بالمهمة بدلاً منهم. و بسبب هذا تغيَّر شكلها و بشرتها الناعمة البيضاء أصبحت سوداء, لأنَّها لم يكن لديها وقت كي تهتم بنفسها مثل االفتيات الأخريات. فتقول “أمّا كرمي فلم أنطُرهُ”.

هل يذكِّركِ هذا الكلام بأمرٍ حصلَ معكِ أنتِ؟ شخصٌ تحبينَهُ , شخصٌ  تثقُ فيه أساءَ لكَ و سبَّبَ لكِ جرح عميق. و بسبب هذه الإساءة بتِّ تنظرين لنفسكِ و تقولين, “أنا لم أكن هكذا من قبل!” ممكن أنكَ فقدتَ ثقتَكَ بالآخرين نتيجةَ جروحٍ, أو صرتَ تخاف أن تبني صداقة مع أي شخص… ما الذي تغيَّر فيك بسبب الجروح؟ فكِّر بالموضوع لدقيقة.

الجميل في هذا المقطع أنَّه بعد بضعة أعداد كَلَّمَ العريس عروسهُ و قال لها, “ها أنتِ جميلةٌ يا حبيبتي ها أنتِ جميلة” (عدد ١٥). و كأنّه  لا يراها كما ترى هي نفسها. هي ترى إساءة إخوتها و آثار الإساءة, لكن هو يرى جمال بسبب محبَتِهِ لها. الأمر نفسُه ينطبق عليكَ و علي. حين ينظُر الله لك يرى جمال, و يرى الخطط التي حضر ها لَك. يرى الله فيك شخص ثمين, مميز, يرى فيك إناءً مناسباً جداً ليحقق من خلالِك أمور عظيمة. يراكَ بعيون المحبة, و لا يرضى لك أن تبقى مكبلاً بجروح الماضي. حان  الوقت  أن تُطلِق هذه الإساءات من قلبِك و من فِكرِك. حان الوقت أن تحرر الناس الذين أساؤوا لَك و تغفر لهم. حين  تقرر أن تغفر, حينها  ستتحرر و تركز أنظارَكَ على المستقبل و  على الإمكانيات التي وضعها الله أمامَك. لِمَا لا تجعل هذا اليوم يوم تاريخي , اليوم الذي قررتَ فيه أن  تغفر إساءات الماضي, و لا تعود تنظر إلى الوراء!

ميكال حداد